اغسل صحنًا تجد فكرة

 

جاءت فكرة هذه التدوينة بينما كنت أغسل صحون غدائنا ليلة البارحة، وهي سلسلة تدوينات شبه يومية، أحكي فيها عن كل شيء، عن يومي وأفكاري وتأملاتي خلال هذا الحجر المنزلي الذي فُرض علينا، أسأل الله أن يزيل الغمة عنا وعن العالم أجمع.

لطالما قرأت وسمعت عن سيل الأفكار التي تأتي مع الأعمال الروتينية التي لا تحتاج إلى جهد عقلي، كغسل الصحون مثلًا، ولطالما أتتني أفكار كثيرة عن أشياء شتى، ولكن ما كان ينقصني هو التنفيذ، وها قد حان وقت تنفيذ هذه الفكرة.

 

فكرة هذه التدوينات هي ممارسة لي للكتابة، للمهنة والحلم الأقرب إلى قلبي، ودعوة للتعرف على مخلف، حيث إنني وبعد رقم المتابعين الذي جعلني أكثر تحفظًا، أصبحت أقل حديثًا عن أفكاري وما أعتقده. هنا في المدونة أجد سهولة في الكتابة، على عكس تويتر، لأنني أعتقد أن من سيدخل للتدوينة هدفه القراءة فقط، أما تويتر فقد استحال إلى ساحة تعجّ بالغاضبين في كل ركنٍ منه، ومهما كتبت ونمّقت ورتبت كلامك كي لا يساء فهمك، سيجدون مدخلًا من العدم لتحوير هدف تغريدتك ليناسب نواياهم المشيطنة، تستحيل تغريدتك البسيطة إلى قضية رأي عام ومطالبات بالقبض عليك وتطهير الساحة من أمثالك.

 

أعتذر عن هذه المقدمة -من الواضح قدر انزعاجي من بيئة تويتر هذه الأيام ههههه- فهي ليست محور الحديث.

انتهيت قبل أيام من رواية “عالم منصور” لطاهر الزهراني. رواية قصيرة لا تتجاوز مئة صفحة، انتهيت من قراءتها بكل استمتاع على جلستين متفرقتين. لغة هذه الرواية ملفتة، لغة الشارع البسيط الشفاف، اللغة التي اعتدنا على سماعها في الشارع بعيدة كل البعد عن تنميق الألفاظ لتلائم لفظ مثقف أو روائي. منصور -بطل الرواية- بعد أن جرب كل شيء، توصل لاعتقاد وهدف أخير في حياته، ألا وهو “الرواية هي الحل”، فهنا لدينا في هذه الرواية كاتب يكتب عن كاتب، رواية بداخل رواية، فكرتها فجرت في عقلي عيونًا من الإلهام، حيث إن داخل الرواية نفسها توجد رواية منصور بطل الرواية ههههه، عجيب!

أما لغتها فكانت مثل انفجارٍ كوني في عقلي، ولأن بطل الرواية شاب شعبي من حواري جدة فقد استخدم الكاتب لغة الشارع، فستجد ألفاظ الشارع بشفافيتها كشوارعنا التي لا يظللها شيء. ستجد لغة الشارع من غير تنقيح أو تزييف، وهذا بنظري ليس عيبًا أو محل انتقادٍ في الرواية، فبطل الرواية وبيئته تناسب جدًا مثل هذه الألفاظ، ومن الاستهتار بعقلية القارئ أن تجيء ببطل مثل منصور وبيئته الشعبية الجداوية وحين يريد أن يشتم يقول “تبًا لك أو ثكلتك أمك”!

وهذا ليس خيال أو تجنّي على أبناء جدة الفضلاء، بل هو سرد حقيقي لواقع معاش، نراه كل يوم في شوارعنا، ولكل منطقة وشوارعها شتائمها الخاصة.

باعتقادي أن إدخال مثل هذا السرد الواقعي -إذا ناسب سياقه السردي- لا يصيب الرواية بأي خلل، بل إني أزعم أنه يضيف إليها لمسة حقيقة، تقرأ وكأنك تعيش هذا الواقع، بلا تزييف أو تهذيب لحقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد.

لا تصبحوا مثل أهل تويتر وتفهموا من حديثي هذا أنني أُشجّع على الشتائم، فناقل الكفر ليس بكافر، وفي هذه الرواية كاتب الرواية لم يشتم، بل بطل الرواية هو الذي شتم بما يتناسب مع لغته وبيئته التي صنعها له الكاتب، فلا مذمة على الكاتب ولا على من يقرأ.

انتهيت منها، ومن النادر أن تستفزني رواية للكتابة عنها، وربما لاحقًا أكتب عن روايات أخرى في هذه السلسلة.

 

هذه السلسلة لن تكون مخصصة للروايات أو الكتب، لن تكون مخصصة لشيء، بل عن كل شيء يستفز عقلي وأصابعي للكتابة عنه.

ختامًا، كونوا بخير، كونوا خير عون لأحبابكم، صِلوا من تحبون، سلامتكم النفسية ألزم ما عليكم في هذه الأوقات، استغلوها واستثمروها جيدًا بما تروه يتناسب معكم، لا بما يرسمه لكم متسدّح ينظّر عليكم من خلف شاشة جواله.

5 آراء حول “اغسل صحنًا تجد فكرة

  1. من ست أو خمس سنوات اقترحت صديقتي عليّ أن أبدأ بكتابة تدوينات قصيرة لممارسة الكتابة و كانت الفكرة جيدة إلى حدٍ ما ، و لكن كسائر الأمور المؤجلة و المسوفة في حياتي تم تأجيل الفكرة حتى وقت غير معلوم .

    مساء الأمس وجدت تدوينة لك بإحدى مجموعات الواتس اب ، بدأت في قراءتها ثم بدى لي أنه حان وقت تلك الفكرة المسوفة أن تكون تحت التنفيذ .
    شكراً جزيلاً لأنك بشكل ما دفعتني لذلك ♥️🌸

    Liked by 2 people

  2. افتكرت مقولة ان أجاثا كريستي تأتي بأفكار روايتاها البوليسية وهي تغسل الصحون و فكرت في أني اعامل الأعمال المنزلية كتأمل ههه حقيقة أنا لا أمزح أنا أقوم بغسل الصحون أو ترتيب البيت او غسل الملابس و كيها و أفكر في كل المشاكل التي تمر بي وماذا أفعل إتجاهها، أفكر في كل الأشخاص الذين أشعر حيالهم بالسوء و أضع عدسة مكبرة على مشاعري اللحظة هل أنا غاضبة؟ ممن لماذا أو هل أنا فرحانة وهكذا و أظن أن فكرة تدوين كل هذه الأفكار فكرة رائعة ❤🙏

    إعجاب

أضف تعليق